رفضت الجزائر فتح الحدود المغلقة مع المغرب منذ 1994، وكان هذا جوابا علي بلاغ وزارة الخارجية المغربية يوم 20 ـ03 ـ2008، وقد دعا البلاغ المغربي إلي تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية باسم الصداقة والأخوة والمصير المشترك، وذلك بفتح صفحة جديدة بين البلدين. ويؤكد البلاغ أن السياق الإقليمي الذي أدي إلي إغلاق الحدود أصبح متجاوزا.
الجواب جاء سريعا، الجزائر ترفض فتح الحدود وتطبيع العلاقات مع الرباط. السبب؟ حسب الوزير الجزائري يزيد زرهوني هو أن تنقل الأشخاص والممتلكات بين حدود البلدين ليس مسألة معزولة، لذا يجب أخذها ضمن الإطار العام. ما هو هذا الإطار؟ هو مقاربة شاملة لما نريد أن نفعله بالمغرب العربي. ماذا نريد؟ مغرب عربي يستجيب لتطلعات سكانه في مسلسل وحدوي متناسق ومتكامل. ولهذا لا ينبغي فتح الحدود فقط. ولتوضيح الصورة يضيف الوزير أن كل شعوب المغرب العربي يجب أن تجد مكانها في هذا الكيان الموحد والمتكامل إلي آخر الإنشاء.
إذا كان الأمر هكذا فما المشكلة؟ الرباط والجزائر معا تريدان الوحدة والتكامل... صحيح، لكن هذا التكامل يشمل من؟ الرباط تعتبر أن في المنطقة خمسة شعوب هي الشعب المغربي والجزائري والليبي والتونسي والموريتاني، أما الجزائر فتري شعبا سادسا هو الشعب الصحراوي. أين يقيم هذا الشعب؟ في إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب جنوب المملكة المغربية. وهي المنطقة التي استرجعها المغرب من إسبانيا عام 1975.
بالواضح، لا تريد الجزائر فتح الحدود إلا إذا قبل المغرب بتر وحدته الترابية. لماذا لا تفتح الجزائر الحدود وتستمر في دعم الشعب الصحرواي؟ لأن الجزائر تعتبر أن فتح الحدود مفيد اقتصاديا للمغرب، وقد صرح الرئيس الجزائري أنه قبل إغلاق الحدود زار ثلاثة ملايين جزائري المغرب، بينما زار عشرة آلاف مغربي الجزائر. لذا يجب أن تبقي الحدود مغلقة لخنق المغرب اقتصاديا. للإشارة، الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ولد ودرس في المغرب.
لماذا هذا التعنت الجزائري إذن؟ لأن المغرب اقترح تطبيق الحكم الذاتي في صحرائه، وتسانده فرنسا وإسبانيا وأمريكا. وضع المغرب الدبلوماسي جيد لحل المسألة الصحراوية. الجزائر تريد عرقلة الحل إلي أن ينقلب الوضع الجيوستراتيجي في صالحها، وتعتبر أن أقصر طريق لذلك هو إضعاف المغرب اقتصاديا، وقد فسرت صحيفة الوطن الجزائرية طلب المغرب بفتح الحدود بتفاقم أزمته الاقتصادية والاجتماعية.
تكريسا لهذا التوجه، ترفض الجزائر اليد الممدودة لها، وقد رفض الرئيس الجزائري في كانون الثاني (يناير) 2008 عقد قمة مصغرة مع ملك المغرب، وذلك بوساطة من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، لأن القمة لو عقدت لظهر إغلاق الحدود كعمل شاذ. تبرر الجزائر استمرار إغلاق الحدود بتهريب السلاح والمخدرات، وهذا عذر واه، لأن الذين يراقبون الحدود الآن قادرون علي فتح معبر وحراسته باستخدام تكنولوجيا متطورة، لضبط كل الممنوعات.
واضح إذن ان هذه مجرد ذرائع، السبب الحقيقي للأزمة لا يوجد علي الحدود ولا في الصحراء، إنه في قلب الجزائر، وهذا ما تصدي له الباحث المغربي محمد الشرقاوي حين تساءل: كيف نفهم ونفسر جمود تعامل قادة الجزائر مع جيرانهم؟ كيف نفسر توجيه كل طاقة الاقتصاد الجزائري للتسليح؟
في كتابهLe Sahara : liens sociaux et enjeux gژostratژgiques. The Bardwell Pre Oxford 2007، يجيب الشرقاوي: يعتبر فلاسفة عصر الأنوار أن الدول الحديثة مضطرة للاختيار بين أمرين: إما التجارة أو الحرب. الدول التي تحكمها نخب صناعية مالية تفضل العمل والإبداع وخلق الثروات، بينما تفضل النخب العسكرية الحاكمة الحرب علي الإنتاج. ينطبق هذا علي الجزائر التي تحكمها نخبة عسكرية صغيرة عشائرية تعتمد علي حوالي 550000 رجل أمن للسيطرة علي الوضع، فالجنرالات لا يفكرون في الشعوب كما يقول برتولد بريخت في إحدي مسرحياته ويضيف أنهم يعتقدون أن السلام يجلب البلبلة وأن الحرب تنتج النظام.
يري الجنرالات الجزائريين في جارهم المغربي الشر كله، لذا يزعجهم أن يزور ملايين الجزائريين المغرب، لا يملكون شجاعة الاعتراف أن الجزائريين يجدون في المغرب ما يفتقدونه في بلدهم. لكنهم يزايدون علي المغرب بطلب تقرير مصير الشعب الصحراوي قبل بناء المغرب العربي، وذلك لإدامة النزاع، علي أمل أن يؤدي إغلاق الحدود وارتفاع كلفة النزاع إلي انهيار المغرب.
حين يقول المغرب أن جارته الشرقية تدعم وتسلح البوليزاريو، وبالتالي فالجزائر طرف في أزمة الصحراء الغربية، ترد الجزائر أنها غير معنية بالأمر وأن الأمم المتحدة تتولي الملف، حين يقبل المغرب هذا ويقول: طيب لنترك الأمم المتحدة تشتغل ولنفتح الحدود ونؤسس تكتلا اقتصاديا، ترد الجزائر بشكل ملتو أن ذلك مشروط بإضافة دويلة سادسة في المغرب العربي. وتستمر لعبة (من سبق البيضة أم الدجاجة؟) في شمال إفريقيا.
لكن الله خلق زوجين من كل الكائنات، خلق الديك والدجاجة، النخبة العسكرية الجزائرية تريد أن تلعب دور الديك، وهذا ما يفسر أن كل القادة الجزائريين الذي فكروا في التصالح مع المغرب أزيحوا من مناصبهم، في 1961 أقر فرحات عباس (أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة) كتابة بأن الحدود الجزائرية الموروثة عن الاستعمار لن تفرض علي المغرب، عارض الجيش الجزائري الاعتراف وأزيح عباس من منصبه، واندلعت حرب الرمال 1963 بين المغرب والجزائر، بعد ذلك وعد الرئيس الجزائري أحمد بن بلا في قمة القاهرة 1964 بالتوافق علي الحدود فأطيح به عام 1965. تولي محمد بوضياف رئاسة الجزائر، وكان ينوي التصالح مع المغرب فقتل عام 1992 ودخلت البلاد في حرب أهلية مروعة، جند فيها الجيش الجزائري جماعاته المسلحة الخاصة.
النخبة العسكرية المسيطرة في الجزائر تفضل العداوة علي التجارة، وهذه العداوة وقود لتجييش الشعب الجزائري ضد الجار الشرير، وهذا الجار هو الذريعة لإنفاق ملايين الدولارات لشراء الأسلحة الروسية والفرنسية.
تلك النخبة مرعوبة من فقدان سيطرتها وامتيازاتها وذرائعها، لذا فإن فتح الحدود مع المغرب مؤجل لأنه سيشجع التجارة ويضعف العداوة ويثبت أن الشعب الجزائري محصن ضد الديماغوجية. إنْ أنكر الجنرالات الجزائريون هذا فليجربوا فتح الحدود لأسبوع واحد. العلامة الفارقة علي تلك السيطرة وذلك الخوف، هو أن الرد علي طلب وزارة الخارجية المغربية بفتح الحدود، قد جاء من الصقر يزيد زرهوني، وزير الداخلية. التوتر ينسي احترام الشكليات.
موقع هسبرس