الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل الأنبياء والمرسلين. وبعد:
بارك الله تعالى فيك على اهتمامك بالمعرفة والتعلم.
الصفات العشرون التي تتكلم عليها هي
صفة الوجود
الصفات السلبية الخمس: القدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والوحدانية، القيام بالنفس.
الصفات المعاني السبع: الحياة والعلم والقدرة، والإرادة، والسمع والبصر، والكلام.
الصفات المعنوية: وهي عبارة عن قياة المعاني بالذات:كونه عالما وكونه حيا وكونه قديرا، ...الخ.
مجموع هذه يساوي عشرين.
ونوزع جوابنا على ما سألتك عنه على مطالب:
أولا:
لماذا سميت هذه بالصفات وبناء على ماذا، وبعضها عين الذات، وبعضها سلبية وبعضها معاني... فما هو الأساس الذي بناء عليه سميت هذه كلها بالصفات.
الجواب: لمصطلح الصفة مفهومان
الأول: الصفة بالمعنى الأعم، والثاني الصفة بالمعنى الأخص.
فالصفة بالمعنى الأعم : هو ما ليس بذات.
والصفة بالمعنى الأخص: هو المعنى الوجودي القائم بالموصوف.
وقد ذكرت هذا كله في تهذيب شرح السنوسية فقلت في ص 32 من الطبعة الجديدة (وهو في ص 29 من الطبعة القديمة):"والصفة تطلق على المعنى الوجودي القائم بالموصوف، وعلى ما ليس بذات وهذا هو المراد هنا."اهـ
فكل ما ليس بذات وينسب إلى الذات إما على سبيل القيام بها أو على سبيل مطلق النسبة إليها، فهو صفة. ولذلك فالصفات المعاني تنسب إلى الذات، لأنها قائمة بها. والصفات السلبية تطلق على الذات وتثبت لها لا لأنها قائمة بها، فالقيام لا ينسب إلا لمعنى وجودي، وهذه معانيها سلبية، بل تطلق السلبية على الذات لأنها ثابتة لها، أي أحكامها التي هي معانيها ثابتة للذات الواوجب الوجود. فعندما نقول: الله واحد، نريد بذلك أنه لا شريك له، وهذا حكم ثابت لله تعالى، ولا يقال إنه حكم قائم به، لأن معناه عبارة عن سلب، والسلب في ذاته عدم، والعدم لا يقوم بالذات. بل إننا نشتق من هذا المفهوم (وهو نفي المشابه والمثيل)اسما أو وصفا ونطلقه على الله تعالى.
وقد غفل بعض الجهلة عن هذا الأمر، فظنوا أن إثبات الصفات السلبية لله تعالى يستلزم قيام الاعدام به جل شأنه وهو جهل منهم.
وزيادة على ذلك فإننا كما قلنا في الدرس: إن نسبة الصفات السلبية لله تعالى بعد إثبات وجوده، تستلزم الكمال المحض له جل شأنه. ولولا ذلك لما جاز نسبتها، فكل صفة لله تعالى إما أن تكون هي عينها كمالا، وإما أن تستلزم الكمال، وإن كان معناها عدميا.
واعلم أن معنى الصفات السلبية كان عدميا لأنه عبارة عن نفي نقص لا يليق بالله تعالى، فهذا المعنى من حيث إنه نفيٌ لنقص، فهو عدمي، ومن حيث إن الذات الواجب الوجود نفينا النقص عنه، فهذا يفيد الكمال الثابت له. فكيف يفهم هؤلاء الجهلة من هذه الصفات أنها أعدام قائمة بالله تعالى.
ولأن الصفة بالمعنى الأعم يطلق على ما هو ليس بذات، فيبقى ههنا سؤال: وهو أن الوجود عند الإمام الأشعري عين الموجود، فالوجود ليست صفة زائدة على الذات إذا كانت الذات موجودة. فكيف يقال هنا إن الوجود صفة ويتم عدها على أنها من الصفات العشرين؟؟
وقد أجاب أئمتنا على هذا السؤال: بأن عدَّها من الصفات العشرين بناء على مذهب الإمام الأشعري مبني على التسامح، لما اشتهر من قولهم الله تعالى موجود، فكان قولنا "موجود" كالوصف للفظ الجلالة، ولنحو قولنا أيضا: الله تعالى الموجود القادر أو الواجب الوجود العالم، فأطلق على سبيل التسامح من هذا الباب أن الوجود صفة. وهذا هو المقصود بالتسامح.
وقد وضحت ذلك كله في حاشيتي على تهذيب شرح السنوسية ص33.
وأما الفرق بين المعاني والمعنوية، فهو مبني على أمرين، الأو القول بالحال، أي إن قيام صفة المعنى بالذات، يلزمه ثبوت حال للذات، فقيام العلم بالذات يصحابه ثبوت حال للذات، وهو كونه عالما، وقيام القدرة بالذات يصاحبه كون الذات قادرا، وهكذا.... وإما أن يقال إن نفس قيام العلم بالذات هو كون الذات عالما ونفس قيام القدرة بالذات هو معنة كون الذات قادرا، فيكون التفريق بين نفس القدرة وبين قيامها بالذات مجرد اعتبار. ولا ضرر بين الأمرين، ولكن مذهب الإمام الأشعري هو الثاني لا الأول، بل هو مذهب أكثر الأشاعرة. وهو الأصح.
ولذلك قال بعض العلماء إن صفات المعاني تغني عن إثبات المعنوية. والخلاف ليس أصليا أي لا يترتب عليه نفي كمال أو إثبات نقص.
ثانيا: إذا كان الله تعالى لا نهاية لكمالاته، فلماذا تم إيجاب معرفة هذه الصفات العشرين مقدمة على غيرها، بل اعتبرت غيرها فرعا لها.. حتى اشتهر عند الناس أن الصفات عشرون.
فالجواب:
إن العلماء يعرفون تمام المعرفة أن الله تعالى لا نهاية لكمالاته، ولا يحيط بكمالاته إنسان. ولكنهم في مقام تعليم الناس عقائدهم التي يجب تعلمها، لا يمكنهم أن يوجبوا على الناس عامة، أن يعرفوا جميع ما ورد من الصفات لله تعالى. كالأسماء التسعة والتسعين، بل الأكثر من ذلك كما نص عليه من تتبع الأحاديث فأثبت أن الأسماء الواردة أكثر من تسعة وتسعين اسما.
والسبب في عدم وجوب ذلك، أن فيه مشقة. ولسبب آخر نذكره فيما يلي:
إننا عندما نقول: الله تعالى خالق. ما معنى هذا الكلام . إن معناه إن الله تعالى يوجد أمرا لا من شيء، وهذا يعني إن الله عالى قادر.
فالخالق إذن يجب أن يكون قادرا.
والقادر لا يكون قادرا حقا، إلا إذا كان مختارا مريدا، فلو لم يكن مريدا بل كان فاعلا بطبعه، لم يكن قادرا،
فاسم الخالق إذن يستلزم أن يكون الله تعالى مريدا.
والمريد بنفس النحو: لا يمكن أن يكون مريدا إلا إذا كان عالما.
والعالم لا يمكن أن يكون عالما إال إذا كان حيا، وموجودا ...
إذن رأينا أن اسم الخالق يتضمن هذه الصفات جميعها(الحياة ، والعلم والإرادة والقدرة، ولا يكون كذلك إلا إذا كان موجودا قديما واحدا باقيا مخالفا للحوادث وقائما بنفسه..)
ولو نظرنا في اسم المصور: فالمصور هو موجد الصورة للشيء. وهذا يتلزم بنفس النحو نفس الصفات السابقة.
وكذلك المنتقم، والجبار، والمحيي والمميت......
إذن توجد صفات عديدة، لا يمكن إثباتها إلا بإثبات الصفات الأولى(وهي الحياة ، والعلم والإرادة والقدرة..الخ)، فلذلك سمى بعض العلماء هذه الصفات بأمهات الصفات.
ولاحظ أيضا أنه لا يوجد واحد يؤمن بهذه الصفات الأمهات، إلا ويؤمن بالضرورة بكون الله تعالى خالقا رازقا محييا مميتا مصورا...الخ.
وبعض الأسماء الأخرى مثل الظاهر الباطن، والرقيب ترجع بأدنى تأمل إلى العلم والسمع والبصر.
وهكذا نجد، أن أصول الصفات هي السبعة المعاني والسلبية الخمسة، والوجود، والمعنوية. فكل الصفات الأخرى ترجع إليها، ولا يمكن الإيمان بالصفات الأخرى إلا بالإيمان بهذه الصفات.
ولذلك أوجب العلماء على سائر الناس أن يعرف هذه الصفات الأمهات.
فالحكمة من العلم بهذه الصفات أن أصول الدين تنبني عليها.
ثالثا: حكم الذين يقولون بان هذا بدعة.
إن الذين يحكمون على ما قررناه سابقا بأنه بدعة في الدين، فيلزمهم أن يعارضوه وينقضوه، ولكنه ثابت، ومن نفاه فقد نفى أمرا ثابتا في الدين.
ومهما شنع هؤلاء أيها الأخ العزيز، فتشنيعهم راجع إلى كونهم جاهلين بما قلناه، أو لكونهم مبتدعة، يريدون أن يصرفوا الناس عن المذهب الحق. فعليك أيها الأخ أن تتمسك بما قرره علماؤنا علماء أهل الحق من الأشاعرة والماتريدية الأحناف.
والعلاج الناجع لكل ذلك إنما يكمن في زيادة العلم في الدين، والتمكن من علم التوحيد. فإننا نرى أن كثيرا من المبتدعة المخالفين إنما يركزون نشاطهم للقدح في هذا العلم الجليل، وكذلك يفعل المخالفون لأصول الدين من الكفار والعلمانيين والزنادقة الذي صار العالم في هذا الزمان يمتلئ بهم.
وإن كان لديك يا أخي زيادة استفسار عن نقطة غفلنا عن الجواب عليها وتوضيحها، فلا تتردد في السؤال عليها، فالسؤال مفتاح العلاج. وهو نصف العلم.
والله تعالى الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.