تم وضع ضوابط وقوانين وإتفاقيات تنظم وتؤطر للعولمة الإقتصادية والتجارية تتجلى فى منظمة التجارة العالمبة وتداعيات، وإتفاقيات التجارة الألكترونية وتشريعاتها، وتتكفل القوى الكبرى بتسخير المنظمات الدولية لفرض متطلبات العولمة فى النجال السياسي، أما الجوانب الأخلاقية وتأثيراته، فتترك هكذا فضفاصة وتتكفل آليات العولمة بفرض أخلاقياتها أو بالأحرى الأخلاقيات التي يجرى تقصيلها فى المركز(الغرب) ليتم ترويجها فى الهامش(شعوب العالم الثالث) بما يخدم الهدف الأساسي القتصادي التجاري السياسي. وإذا كان شأن المال والأعمال السياسية هو فى يد الكبار فإن أمر الأخلاق يمكن ان يسهم فى صياغتها الصغار ونقصد بها مؤسسات المجتمع المدني ومن خلال آليات العولمة وبخاصة الإنترنت، بالدعوة إلى عولمة الأخلاق التي جاءت بها الأديان السماوية بدلاً من الإستسلام أخلاقيات العولمة التي تحاول أن تفرضها الأديان الأرضية وفى مقدمتها رأس المال.!! وهذا الهم لا ينشغل به العالم الإسلامي فقط، وإنما هو هاجس عالمى يمكن أن يتلافى حوله أهل الأديان السماوية، وأيضاً غالبية الشعول التي باتت بتهديد حقيقي لأخلاقها وقيمها من جانب أخلاقيات العولمة المصنعة. كما أن هناك قطاعاً كبيراً من النخب المثقفة أصبحت تدرك هذا التهديد الأخلاقي لفيم العولمة الخادمة لتوغل رأس المال ولو كان على حساب تشريد ألوف العمال، وأستنساخ البشر واللعب فى الجينات الوراثية وهتك براءة الأطفال . وأيضاً يمكن أن يضم لهذا الائتلاف، العلماء المستقلون والكتاب والمفكرون الذين لا يزالون يستجيبون لصوت الضمير، ويمكن التفتيش عنهم فى الجامعات والإتحادات المهنية والجمعيات العلمية والأهلية فى الغرب والشرق، ويمكن التوصل فيما بينهم عبر آليات العولمة نفسها وفى مقدمتها الإنترنت. وقد بدأ بعض العلماء فى العلوم الإنسانية و الإجتماعية ينبهون إلى أن تأثيرات العولمة السلبية على الصحة النفسية، فيقول شارلين سبرتناك أخبرونا أن العالم ينكمش، وتلاشت المسافات الشاسعة بالحاسبات الآلية الفاكس، وأن الأرض أصبحت الآن قرية عالمية أصبحنا فيها متربطين على نحو غير مسبوق، ومع ذلك فثمة شعور بنقيض ذلك تماماً: شعور بأن التنائى و الإنفصال يشكلان الحياة الحديثة، وإن كان ثمة شيئ تقلّص فهو إكتمال الذات الذى عانته الذات الحديثة، ويقرر علماء النفس أن مستويات الإحباط والقاق عالية، أن شبكة الأصدقاء وأفراد الأسرة المقربين وعلاقات الجماعة إنكمشت. بالنسبة لأغلب الناس. إلى جزء صغير مما عايشته الأجيات السابقة.بل أن التأثير الأخلاقي السلبي للعولمة لم يسلم منه العلماء أنفسهم، يقول جون هاريس أن المعرفة التي كانت مجانية ومفتوحة للراغبين فيها ولصالح المجتمع، أصبحت الآن متملكة وخصوصية ولصالح النشاط المادي، وبعد أن كان أهل العلم يحرصون على إستقلالهم العلمي؛ ها هم الآن يخططون المناهج العلمية وفقاً لما يتم الإتفاق عليه مع مؤسسسات الأعمال الممولة، وأصبح الأساتذة الذين يدرسون مقيدين فى قوائم رواتب الشركات التي يقومون لها- فى مختبرات الجامعات- بأبحاث يمكن تسويقها بيما تدفع الجامعات رسوماً مخفضة لإحلال الأساتذة المساعدين، أما رؤساء الجامعات الذين كانواقادة الفكر لمؤسسات المجتمع فقد أصبحوا الآن يتمثلون بالتجار المتجولين. وفى التقرير العالمي الخاص بالصحة النفسية، توضح الدراسات المعمقة لمشاكل الصحة النفسية- التي أشار إليها مؤلفو هذا التقرير- إن المشاكل الإجتماعية والإضطرابات النفسية هي مشاكل كونية، ونسبة كبيرة منها لاتنجو من تأثير سياق العولمة المعقد، لأن وسائل الإتصال الراهنة بقوتها تهدم المرجعيات البشرية وتقوض كثيراً من أسسها، لأن منطق العولمة منطق الربح والمال، والنجاح فى الأ سواق كلها، أسواق الإقتصاد، وأسواق الثقافة أيضاً . قد إرتفع صوت عدد من المفكرين والباحثين مطالبين العلماء أنفسهم بأن يكون لهم موقف من التأثيرات الأخلاقية للعولمة، فيطالب الأسناذ عمار طالبي العلماء أن يطرحوأ مسائل ذات صبغة أخلاقية وخاصة فى مجال البيوليجيا والهندسة الوراثية،حيث نشهد تطوراً سريعاً سواء فى مجال العلم النظري أو البحث الأساسي فى مجال البجث التطبيقي، فمنذ أربعين عاماً تقريباً كان أغلب الباحثين من العلماء يعتبرون القيم مسألة لا تعنيهم، وأصبح العلماء اليوم لا يستطيعون أن يتجنبوا البحث فما يتعلق بنتائج أعمالهم العلمية، فيجب إذن الإعتراف بضرورة أن تحد سلطة التكنولجيا بسلطة الأخلاق، كما صرح بذلك الأمين العام لليونسكو فردريك مايور،خاصة وأن الباحثين الأميركان يتساءلون عن الإنسان الذى يريدون إنتاجه. كما أدت البحوث المتقدمة فى البيولجيا إلى محاولات التحكم الفيزيقي فى العقل البشري، اليوم تتجه البحوث إلى الإستنساخ البشري.، مما ينحرف بالطبيعة البشرية إلى كائنات أخطر ما تكون، وأكثر ما تكون حروجاً عن سمات هذا الكائن الذى نعرفه، وهو الإنسان ذو الطابع ا لأخلاقي الفطري، وذو الكرامة التي منحها الله سبحانه وتعالى إياها. وينوقع من العولمة أذا تمكنت فى سلطانها أن تمسخ الإنسانية، وأن تفولبها فى نمط ثقافي يفقد ما فى الحضارات الإنسانية وقيمها من غنى وتنوع، ونحن نشاهد كيف يشجع الغرب الذين يتحدون المسلمين فى عقائدهم مثلما فعلوا مع نسرين البنقلاديشية التي تدعوا إلى تغيير القرآن ، وتصف الدين بأنه ظلامي، وكذلك سلمان رشدي، الذى هاجم القرآن ومقدسات الإسلام علناً، فمن حق المسلمين أن تحترم عقائدهم كما تحترم عقائد غيرهم. إن النظم الأخلاقية والديانات تقع تحت نأثير العولمة اليوم فتقود إلى ضعف البنى ألإجتماعية والأسرية فيصيبها الإضطراب والتفكك. إن حماعة من المفكرين فى ماليزيا عارضوا القيم الغربية، ونظروا إلى القيم الأسيوية على أنها بديل لهذه القيم الغربية، ومن هؤلاء إبراهيم أنور ومظفر شندرا، كما يمكن للأفارقة أن ينادوا بقيم أخرى لهم معارضة للعولمة الغربية. ويشير الدكتور طلال عتريس إلى التحولات التي بدأت تتسلل إلى علاقات الناس فيما بينهم إلى الأأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، و إلى القيم التي يدافعون عنها، ومن ذلك على سبيل المثال قيم السرعة والقوة والربح والمنفعة، فى كل شؤون الحياة، على حساب قيم التضحية والمساعدة والتعاطف.. حتى أمكن القول أن العولمة هي ضد الأخلاق، وأنها بدأت تستهلك القيم التي أنتجتها المراحل السابقة من تاريخ البشرية. ويرىـ فى دراسة له حول العولمة والأحلاق ـ أن القيم الجديدة سوف تدمر ليس فقط القلاقات الإنسانية، وإنما أيضاً ما أنتجته العولمة نفسها... هذا إلى جانب التلاعب الدولي بالموضوع الأخلاقي، بين التأيد النظري للمبادئ الأخلاقية وبين أنتهاكها على مستوى الممارسة من تأيد حقوق المرأة و إنسانيتها على سبيل المثال، إلى إستخدامها فى موضوعاً للإستهلاك الجنسي.. ومن الدعوة إلى حقوق الطفل، إلى حماية الشبكات الدولية التي تتاجر بهؤلاء الأطفال، وتستغلهم جنسياً وخصوصاً فى الدول الفقيرة. إلى حماية شبكات الفساد والمافيات التي لم تستثن أحداً والتي تتجاوز سلطتها سلطة الحكومات نفسها فى أكثر من مكان فى العالم، فضلاً عن النفاق السياسي الذى تمثله حماية الديكتوريات عندما لا تتعارض مع سياسات الدول الكبرى، أو من خلال تدمير البيئة والثروات الطبيعية من أجل مصالح الشركات الكبرى فى العالم، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية عندما رفضت التوقيع على بروتوكول كيوتو للمناخ من أجل الحد من التلوث الذى تتسبب به الدول الصناعية الدرجة الأولى، وقد بررت واشنطن ذلك بأنه يضر بمصالح الشركات الأمريكية !. ولا شك أن التدفق الهائل من القيم الجديدة يثير القلق والإضطراب فى الدول التي لا تزال الأخلاق تشكل فيها مرجعية ثقافية ودينية وسلوكية وتربوية، من هنا تواجه هذه الدول ومن بينها الدول العربية الإسلامية تحديات مهمة على هذا الصعيد، ومن أجل ألإستجابة لهذه التحديات يطالب الدكتور طارق عتريس الدول الإسلامية بضرورة أن تبحث فى حماية الأسس التي تشكل نظام المناعة فى ثقافتها، وفى مقدمة تلك الأسس النظام التربوى سواء فى داخل الأسرة أو داخل المدرسة، فضلاً عن الدور المهم الذى يمكن أن تلعبه النخب الثقافية والدينية والإعلامية فى تثبيت نظام المناعة ودعمه، وهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى إستراتيجية وطنية شاملة، إذ لا تكفى فى مثل هذه المواجهة الواسعة جهود بعض المنظمات والجمعيات ، على الرغم من أهميتها. ثم تأتي بعد مسئولية الإعلام المحلي والدولي فى فضح هذه الجوانب اللا أخلاقية للعولمة والعمل على تكوين رأي عام واع بها، يمكنه أن يدفع مختلف المؤسسات المعنية بالتنشئة والتكوين والثقافة والإضطلاع بدورها فى هذا المجال.. ونحسب أن هذه السطور جانب من هذه المسئولية الإعلامية، إن كان الأمر أكبر وأخطر من أن يكفيه مقال واحد أو حتي حملة صحفية واحدة!