يرى بعض الفلاسفة أنها مجموعة الأفكار التي ارتآها الكندي والفارابي وابن
سينا ومن سار على نهجهم في الله والعالم والنفس الإنسانية،.ويرى ابن رشد
(ت 595هـ، 1198م) في فصل المقال ¸أن النظر في كتب القدماء ـ يقصد بالقدماء
هنا فلاسفة اليونان مثل أفلاطون وأرسطو ـ واجب بالشرع، إن كان مغزاهم في
كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه، وأن من نهى عن النظر فيها
من كان أهلاً للنظر فيها ـ وهو الذي جمع بين أمرين: أحدهما: ذكاء الفطرة،
والثاني: العدالة الشرعية، والفضيلة العلمية والخلقية ـ فقد صد الناس عن
الباب الذي دعا الشرع منه الناس، إلى معرفة الله، وهو باب النظر المؤدّي
إلى معرفته حق المعرفة، وذلك غاية الجهل والبعد عن الله تعالى·. فالفلسفة
عند ابن رشد تفتح باب العلم بالله ومعرفته حق المعرفة.
ويرى ابن
خلدون (ت 808هـ، 1406م) في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع
انتشار العمران، وأنها كثيرة في المدن ويعرِّفها قائلاً: ¸بأن قومًا من
عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي،
تُدرك أدواته وأحواله، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية والأقيسة
العقلية وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قِبَل النظر لا من جهة السمع
فإنها بعض من مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف، وهو باللسان
اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوَّموا على إصابة الغرض
منه ووضعوا قانونًا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل
وسموه بالمنطق.· ويحذّر ابن خلدون الناظرين في هذا العلم من دراسته قبل
الاطلاع على الشرعيات من التفسير والفقه، فيقول: ¸وليكن نظر من ينظر فيها
بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يُكبَّنَّ أحدٌ
عليها وهو خِلْو من علوم الملة فقلَّ أن يَسلَمَ لذلك من معاطبها·.
ولعل
ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام بعلوم
الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد العقل
إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد. من هنا كانت نصيحة
هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن يُمعنوا
في التجريد العقلي.
ويذهب الكندي (ت نحو 260هـ، 873م) إلى أن
الفلسفة هي علم الحق الأول الذي هو علة كل حق، ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف
التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف لأن علم العلة في نظره
أشرف من علم المعلول، والعلم التام هو علم العلة. ويرى الفارابي (ت 339هـ،
950م) أن الفلسفة هي العلم بالموجودات بما هي موجودة ويقسمها إلى حكمة
إلهية وطبيعية ورياضية ومنطقية. ويعطيها الشيخ الرئيس ابن سينا (ت428هـ،
1037م) طابعًا نفسيًا فيقول: الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور
والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الإنسانية. ويقسم
الحكمة كذلك إلى نظرية يتعلمها الإنسان، ولا يعمل بها، وحكمة عملية مدنية
ومنزلية وأخلاقية. وحول هذه المفاهيم، كان يتناول فلاسفة الإسلام الفلسفة
مقتفين أثر الأساتذة القدماء من حكماء اليونان. فكانوا تارة يقتربون من
أساتذة اليونان وتارة يبتعدون عنهم، ولم ينتهجوا منهجًا مستقلاً في
التفلسف ولم يخالفوا رأي القدماء إلا في المسائل التي تخرجهم من ملة الإسلام، وظلوا أساتذة في هذا العلم في ظل أساتذة الفلسفة السابقين.
متى نشأت الفلسفة الإسلامية وكيف
إذا
كانت كلمة فلسفة يونانية الأصل وكان المسلمون قد نظروا في فلسفة اليونان،
فكيف وصلت الفلسفة إلى المسلمين مع فارق المسافة والثقافة واللغة؟ وهل كان
علم الحق الأول عند المسلمين مستخرجًا من الكتاب والسنة؟ أو أن هناك
مؤثرات أخرى جعلت من اتجه من المسلمين يتجه صوب الفلسفة؟ الشاهد التاريخي
يقول إن القرآن والسنة لم يدفعا المسلمين إلى التفلسف ـ إلا من باب
التأمُّل الذي أمروا به ـ بل كانت هناك مؤثرات خارجية وفدت إلى ديار
المسلمين إثر عصور الترجمة، وحاول العلماء الذين خاضوا في هذه العلوم
الجديدة الوافدة التوفيق بين رصيدهم من العلوم النقلية الشرعية وبين
العلوم العقلية الفلسفية المنقولة باللغة السريانية أو العبرانية عن اللغة
اليونانية. وقد أثْرت حركة الترجمة الحياة العلمية عند المسلمين خاصة في
مجال العلوم الطبيعية. لكن على الرغم من ذلك فإن هناك بعض الملاحظات التي
أبداها علماء المسلمين على حركة الترجمة، منها أن المترجمين لم يكونوا من
أهل الاختصاص في العلوم التي نقلوها وحدث ما كان يخشاه علماء المسلمين من
التصحيف والتحريف في اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، وكان ذلك
أشد وضوحًا فيما نقلوه من الفلسفة اليونانية. إن المترجمين نقلوا ـ مثلاً
ـ كتاب الربوبية لأفلوطين ونسبوه خطأً لأرسطو. وغلب على ظن كثير من
متفلسفة الإسلام أن الربوبية حقيقة لأرسطو ووقعوا في مغالطات الذين كانوا
يقولون بالتوفيق بين الفلسفة والدين، والعقل والنقل. ومن ناحية أخرى، فإن
بعض المترجمين كانوا قومًا أهل دين: منهم النساطرة النصرانيون الذين كانوا
ينشرون النصرانية في كل محفل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ومنهم اليهود
الذين كانوا يرون في الإسلام مزاحمًا ومنافسًا فكريًا فأرادوا أن يستبعدوه
ليخلو لهم الجو. هذا فيما يتعلق بالعلوم النظرية، أما العلوم التطبيقية،
فقد برع فيها المسلمون واستفادوا أيما فائدة من الترجمات والشروح على
الترجمات التي وصلت إليهم من العلوم اليونانية عن طريق السريانية. ظهرت
هذه الترجمات بعد الفتوحات الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي ولم يكن
دور العصر الأموي كبيرًا في الترجمة إلا أن العصر العباسي كان عصر الترجمة
الزاهر.